الجمعة، 7 سبتمبر 2007

حتي لا تكون فتنه: يجب أن بصحح هذا الحراك المشوه


أحمد محمود ولد العتيق


من سنن الله في خلقه هذه الحركة المستمرة للأشياء
الأجسام تسير حسب مبدإ العطاله ( كل جسم يظل سائرا
في خط مستقيم ما لم يصطدم بجسم آخر يفوقه في الكتله.
الذرات المكونة للأجسام لا تنفك في حركة دؤوبه مرة حول نفسها ومرات حول بعضها مساهمة بذلك في تكوين كتلة هي
أكبر حجما .
محصلة هذه الأجزاء نتعامل معها في العالم الخارجي بدرجة كبيرة من اللامبلات وذلك من خلال تفاعلنا مع أي محيط نعيش فيه
خذ مثا لا بسيطا علي ذلك : يقولون في الميتولوجيا إن شيخا حكيما لما أحس بدنو أجله جمع حوله بنيه وأوصاهم بالتوحد

وحذرهم من الخلاف والتفرق ثم أعطي لكل واحد منهم
عصي وأمره بكسرها وتطبيقا لمبدإ العطالة فقد كسر كل
واحد عصاه . ببساطة شديدة كتلة الإنسان أكبر من كتلة العصا وبالتالي جهده أقوي لذلك جمع الشيخ من العصي عدد بنيه
ثم أعطي لكل واحد مجموع العصي وأمره بكسرها .
فشل كل رجل من القوم في تكسير مجموعة العصي .
السبب فيزيائيا هو أن مجموعة الذرات المكونة للعصي شكلت كتلة واحدة فامتلكت جهدا أكبر من جهد أي رجل من القوم. لذلك لم يفلح في كسرها وكانت مكوناتها
تسير في إتجاه واحد منسجمة مع إرادة الكل ( مجموع العصي).
تأبي العصي إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
من السهل قياس حركة الأجسام لأن ذراتها محايدة
في حركتها وبالتالي فإن أي تغير يحصل في مستوى
هذه الحركة يمكن حسابه والتدخل لإصلاحه .
علي الرغم من أن حيادية هذه الحركة لا تمنع من أن
تؤدي أي ذرة دورها الإيجابي في الكتلة التي تنتمي إليها.
قد يتساءل البعض لماذا أتوه في حركة الأجسام والذرات
وانا بصدد الحديث عن الإنسان و حركته وتفاعله ؟
السؤال مشروع جدا ولذلك فإني ألتمس العذر من الفيزيا ئيين
إن ولجت حقلهم هذا وما ذلك إلا تطفلا مني بحثا عن حجة
تعينني علي تأصيل إيجابية الحركة ونجاعة التفاعل بين الأجسام
علي المستوي الطبيعي

ويجدر بنا هنا أن نتذكر أرسطو
ومحاولاته الشجاعة في قراءة ما بعد الطبيعة من خلال الحركة
في عالم ما تحت القمر ونزوع الأشياء في حركتها إلي بلوغ الكمال.
المجتمع ... أي مجتمع هو محصلة طبيعية لمجموع الأفراد
الذين يشتركون في حيز ترابي واحد وتربطهم علاقات
محدده قرابية أو وظيفيه يتفاعلون من خلا لها ويتحركون
طبقا لطبيعة ذلك التفاعل في اتجاه غاية قصوي هي الإستمرار
والمحافظة علي النوع .
يشترك الإنسان هنا مع الحيوان في هذه الغريزه لكنه يختلف عنه
في أنماط السلوك التي تجعل تفاعل البشر عقلانيا وقابلا للقياس.
ويفرق علماء الإجتماع والأنتربولوجيا بين المجتمعات ويقسمونها
تبعا للعلاقة السائدة بين الأفراد ونمط التفاعل إلي :
1 __مجتمعات بدائية تسودها علاقات القرابة وتتميز ردود الأفعال فيها بالتلقائية والبساطة ويؤدي كل فرد فيها دوره من خلا ل مكانته في البناء الإجتماعي.
2___ مجتمعات حديتة يسود فيها التخصص وتندمج كلها في حركة دؤوبة وقابلة للقياس من خلا ل الأداء الوظيفي فيها ويأخذ الفرد فيها مكانته من خلا ل الدور الذي يؤديه .
لا أريد أن انساق وراء التفاصيل فالموضوع أكثر سعة من أن يؤتي حقه في مقال بسيط كهذا .
ثم إنني لا أريد أن أنتقص من قيمة القربي والرحم في صنع تفاعل إجتماعي محمود ذلك ما هذب به الإسلام هذه الأمة وأصلح به حالها وأخرجها من ظلمات العصبية والجاهلية إلي آفاق رحبة من التقدم الحضاري والريادة الفكرية .
المؤلم هنا أنك لو تقصيت أنماط العلاقات في مجتمعنا وطبيعة التفاعل فيه لتهت في واقع هلامي لن تجد في مخرجا ولحاصرتك الأسئلة
من كل الجهات !!!.
ما أقصد هنا أنني حاولت تصنيف مجتمعنا ضمن المثالين السابقين
فما وجدت له مكانا فيهما . فلا هو المجتمع البدائي البسيط المكشوف والذي لا يصمد عادة في وجه القوة المصلحة مهما كانت . إذ أن كل محاولة للإصلاح كانت دائما تموت في مهدها أو لا يكتب لها النجاح وذلك لقوة المقاومة التي تواجه بها
في بنية القيم وأنماط السلوك وبدلا من أن تظل في أذهان أصحابها
ويتشرفون بها فإنهم سرعان ما يتحولون وبإيعاز من المجتمع نفسه
إلي أعداء لها بل ويبذلون قصاري الجهد من أجل التنكيل بها وبأهلها
إن الأسطورة تمارس عملا جبارا في استمرار أنماط العلاقات
وتحدد بالتالي الكثير من الأدوار . بل وتقيد التفاعل الإجتماعي
من خلا ل المكانة والدور وهو ما يتعارض مع النظام القيمي والأخلاقي في الإسلام والبحث العلمي والتاريخي لا يؤيد
استمرا ر هذه البنيات ولا يدعو للمحافظة عليها بل يؤكد
أنها معطي تاريخي أوجدته ظروف وجدير به أن ينتهي بانتهاء مسبباته شأنه في ذلك شأن أي ظاهرة إجتماعية غير مقدسه.
ثمة حقوق للأفراد علي مجتمعهم يجب أن ينالوها في ضوء الأدوار التي يقومون بها في البناء الإجتماعي , وقد حان للوظيفة أن تكون
الوحدة الأولي والمكون الأساسي للعلا قات الإجتماعية
وإلا فإن كل الجمعيات التي تمارس أي نشاط مدني لن يكون لها مبرر للبقاء بل ستموت حتما لأنها تشكلت في رحم مريض
وتحمل في تكوينها من العدوي ما يكفل موتها .
إنني لا أجد معني للنقابات العمالية ولا لمنظمات المجتمع المدني
التي تدعي أنها تنشط في سبيل التحديث وخلق وعي إجتماعي
حديث إذا كانت تتشكل بطرق عشوائية ويمارس الضمير الجمعي علي أفرادها أقصي ما يمكن من القمع الإجتماعي
ويحصر تفاعل أفرادها في مجال محدد .
لست أدعو إلي فطيعة رحم معاذ الله ومثلي لا يأمر بهذا
إنما هناك حراك إجتماعي مشوه يرسم ملامح خطيرة لمجتمعنا
وينذر بفتنة لا يسلم منها أحد , يجب علي المنشغلين بالهم الإجتماعي والسياسي أن يتفطنوا إليه ويعملوا علي تصحيحه .
في المجتمعات الآسيوية تنشط استاتيكا المجتمع و تمارس
أصناف القهر والإستعباد علي الأفراد.
أبناء( البراهما ) طائفة قليلة مقدسة تتمتع بكافة الامتيازات الاجتماعية وتسخر بقية أفراد المجتمع لخدمتها . البقية هذه
هي المكون الأساسي و(دينامو ) التفاعل والبقاء في هذه المجتمعات
ويطلق عليها في اصطلاحهم ( المنبوذون) .
المرأة تتقمص شخصية الرجل بذكاء شديد فلا هي رجل ولا هي امرأة ثمة ثنائية متناقضة ومنسجمة في نفس الوقت , فهي مثلا التي
تختار زوجها وتخطبه إلي أهله وتدفع له صداقه ...
ولكن الأخير يجد نفسه بعد أن تحكم السيدة وثاقها في رقبته مسؤولا عن كل شيء وكم يتورط لو رزق بنات لأنه سيضطر إلي تمويل مشاريع قهر جديدة يخطب لهن ذكورا جددا ويدفع مهورهم . وعلي الرغم من انتشارالإسلام في آسيا
إلا أنه لم يستطع تغير هذه العادات المرضية .
هذه المكونات الإجتماعية خلقت في هذه المجتمعات خللا بنيويا
ساهم في قوة الداعين إلي المحافظة أكثر من المقاومين لها , وهو
ما أوجد نمطا إنتاجيا فريدا في آسيا يدعي ( نمط الإنتاج الآسيوي ) في هذا النمط لا توجد طبقات اجتماعية وتبدو أدوات الإنتاج كما لو كانت مشاعة في حين أنها محتكرة وبقوة من طرف ( البراهما ) .
في مجتمعنا يكاد الأمر أن يتماثل , صحيح أن المرأة لا تخطب لنفسها ولا تدفع المهر للرجل ولكنها تمارس سلطات قوية
وتتحكم إلي حد بعيد في سلطان الرجل بل وتذهب أحيانا في بعض تجليات قوتها إلي حد التشكيك في قدرته علي
إدارة الأمور ومن هنا تجد لنفسها مبررا في مقاسمته هذا السلطان.
لقد وجدت أثناء دراستي لهذا الحراك المشوه أن المرأة
هي السبب في الكثير من حا لات السطو علي المال العام
والفساد الإداري و ضعف الضبط الاجتماعي وذلك لكثرة
مطالبها وإلحاحها المبر ر في النظام القيمي في مجتمعنا والذي يتجلي في الكثير من المقولات الاجتماعية ....
(الذي تبيت عليه الضفيرة تصبح عليه اللحية ....)
ليست الوظيفة مقياسا للمكانة الاجتماعية وإلا فإن التراتب الهرمي سيشكل قاعدة عريضة ستفتك بالهرم في لحظة ما
لأن احتمال الإنسان للظلم يقف في حدود معينة وقيمة الثقافة
والمعرفة هي تصحيح الأخطاء وليس تكريسها .
إن السلطة الاجتماعية ليست قيمة تتوارث ولكنها تراكم من الخدمات الجليلة يقدمها الفرد لمجتمعه ويحوز بها
الرضي الجماعي للأفراد .
لقد قدمت القبيلة لأفرادها خدمات جليلة لما ماتت الدولة
وانتهت سلطاتها الشمولية وانعدم الأمن والسلم الاجتماعي
حيت وفرت القبيلة الأمن وأسباب الحياة لأفرادها وبالمقابل
انسجم الأفراد وفق قواعد الضبط الاجتماعي وكان التفاعل إيجابيا ألي درجة كبيرة .
لكن ومع عودة الدولة وقوة سلطانها يجب أن تصحح العلاقة
القائمة بينها مع القبيلة . ذلك أن هذه الأخيرة يجب أن لا تزيد عن كونها مكون اجتماعي بسيط يجب أن يفقد معظم سلطاته لصالح الدولة وتتبدل قوة الضبط الاجتماعي بقوة القانون
ووفق أي نظام يتم الإتفاق عليه من طرف الأفراد .
ولكن في المقابل علي الدولة أن توفر كل الخدمات التي كانت القبيلة تقوم بها حيث يكون مشروعا للأفراد أن يتوجهوا بولائهم لها بدلا من القبيلة .
إن الخلل القائم اليوم هو انحسار خدمات الدولة وعجزها الواضح عن مقاومة سلطان القبيلة الأمر الذي شكل
صراعا واضحا علي السلطان لم يعد خافيا علي أحد.
وقد امتد هذا الصراع ليأخذ مكانه في التكوين السياسي
والثقافي للأفراد فخلق انكسارا قويا في الوعي وعاد
بالناس إلي زمن كنا نأمل في مرحلة من قوة الدولة أن ينتهي .
هذا الإنكسار جعل الفرد لا يهتم بالدولة إلا بقدر ما يحصل منها علي منفعة وتقوم القبيلة في المقابل بتشجيعه علي ذلك وتهيؤه للأدوار القيادية كلما كان أعلم بأدوات تحصيل المنافع كل ذلك علي مرأي ومسمع من الدولة .
هذه الإزدواجية قضت علي التفاعل الإيجابي وكرست مبدأ الفردانية و أنتجت خطابا انفصاليا لا يبشر بخير وهو الذي
يتحكم في هذا الحراك المشوه الذي نعيشه اليوم.
وليست هذه الدعوات التي تبرز من هنا وهناك وتستتر
أحيانا وراء لا فتات مدنية وحقوقية إلا أحد صوره المقيتة.
لست أفهم أين أضع حريتي إذا كنت سأعود في أخر يوم
حار خاوي الوفاض فلا أجلب معي قوت عيالي إن قدرت أصلا
علي مغامرة إنتاجهم , في مجتمع تسود فيه البطالة والفقر والمرض والجهل وثلثي شبابه مهاجرون وتزحف الصحراء إليه من كل حدب وصوب . بينما يمجد اللص ويجمع علي صدره كل أوسمة التقدير والعرفان .
في مجتمع كهذا ما ذا يصنع الناس بالديمقراطية والحرية ؟؟؟
حتي لا تكون فتنة ___ يجب أن بصحح هذا الحراك المشوه
.